الإمام الرضا عليه السلام وصلاة العيد

تسلَّمَ الحاكمُ العباسيُّ "المأمون" الخلافةَ العباسيةَ بعدَ انتصارِهِ على أخيهِ "الأمين" وأصبحَ الحكمُ تحتَ سيطرتِهِ ونفوذِهِ. أرسلَ المأمونُ إلى الإمام الرضا عليه السلام يطلب حضوره إلى "مرو" لكنَّ الإمامَ عليه السلام اعتذرَ.

ظلَّ المأمونُ العباسيُّ مُصرَّاً على حضورِ الإمام عليه السلام فبعثَ لهُ بوفدٍ يصحبُهُ إلى هناكَ، فخرجَ


16


الإمامُ عليه السلام من المدينةِ وتوجَّهَ إلى مروٍ.

عرضَ المأمونُ العباسيُّ على الامام تسلُّمَ وتولِّيَ الخلافةِ لكنَّ الإمامَ عليه السلام رفضَ ذلكَ فقد كانَ يعلَمُ بنوايا المأمونِ، ودارتْ بينَهُما المخاطباتِ الَّتي استمرَّتْ شهرين.

لَمْ يرضَ الإمامُ عليه السلام بتسلُّمِ الخلافةِ فعرض المأمون عليه تسلم ولاية العهد التي رفضها الإمامُ أيضاً فَفَرضَها عليهِ المأمونُ مهدداً لهُ بالقتل. وافقَ الإمامُ عليه السلام على ولايةِ العهدِ بشروطٍ عديدةٍ قائلاً عليه السلام: "إنَّي أدخلُ في ولايةِ العهدِ على أنْ لا آمرَ ولا أنهى ولا أقضي ولا أغيَّر شيئاً مما هو قائمٌ وتعفِيني من ذلكَ كلِّهِ".

وافَقَ المأمونُ على كلِّ شروطِ الإمام عليه السلام. بعدَ ذلكَ، دعا المأمونُ الناسَ إلى مُبايعةِ الإمامِ عليه السلام وأرسلَ بذلكَ إلى البلدانِ الأخرى ثمَّ ختمَ


17


الدراهمَ والدنانيرَ باسمِ الإمامِ عليه السلام وخطبَ لهُ على المنابر.

ومَعَ حلولِ عيدِ الفطرِ المباركِ بعثَ المأمونُ إلى الإمامِ عليه السلام يطلبَ مِنْهُ أنْ يصلِّيَ بالناسِ في صلاةِ العيدِ فأجابَهُ الإمامُ عليه السلام: "قَدْ علِمْتَ ما كانَ بيني وبينَكَ من الشروطِ في دخولي هذا الأمر". فَردَّ المأمونُ قائلاً:ألا إنَّما أَردْتُ بذلكَ أن تَرسخَ مسألةُ ولايةِ العهدِ في قلوبِ الجيشِ وعامَّةِ الناسِ.

ظلَّ المأمونُ مُصِرَّاً على طلبِهِ فقالَ لهُ الإمامُ عليه السلام: "إنْ أَعْفَيْتني من ذلكَ فهُوَ أَحَبُّ إلي، وإنْ لَمْ تعفِنِي خرجْتُ كما كانَ يخرجُ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم وكما خَرجَ أميرُ المؤمنينَ عليُّ بنُ أبي طالبٍ عليه السلام ".

ردَّ المأمونُ: "أُخْرُجْ كما تُحِب".

بَزَغَ فجرُ يومِ العيدِ فَاحْتَشَدَ قادةُ الجيشِ


18


ووَجهاءُ الناسِ على بابِ دارِ الإمامِ الرضا عليه السلام ينتظرونَ خُروجَ موكِبهِ، واجْتَمعَ سائرُ الناسِ ينتظرونَ على الطرقات، وصعدَ الكثيرُ من الأطفالِ والنساءِ على أسْطُحِ منازلِهِم والكلُّ يترقَّبونَ خروجَ موكبِ الإمامِ عليه السلام.

طَلَعَتْ الشَّمْسُ وخَرَجَ الإمامُ عليه السلام بالشكلِ الَّذي يُريدُه عليه السلام واشْتَرَطَهُ، وكانَ عليه السلام قد اغْتسلَ ولبِسَ عمامةً بيضاءَ مُلقياً بِطرفٍ مِنْها على صدرِهِ والطرفِ الآخرِ بينَ كَتِفَيْهِ ثم شمَّرَ وقالَ لجميعِ مَنْ معهُ: "إفْعَلَوا مِثْلَمَا فَعَلْتُ". أَخَذَ بيدِهِ الشريفةِ عُكَّازَهُ وكانَ حَافيَ القدمينِ، مُشمِّراً سِرْوَالَهُ إلى مُنْتَصَفِ سَاْقَيهِ الشريفتينِ وخَرَجَ إلى الناسِ، قالَ رافعاً صوتَهُ: "اللهُ أكبرُ "فرددَّ أصحابَهُ مَعَهُ التَّكبيَر بصوتٍ واحدٍ حتَّى خُيِّلَ للناسِ أنَّ الأرضَ والسماءَ تردِّدانِ معه التَّكبير.


19


كانَ قادةُ الجيشِ قَدْ تَزَيَّنُوا بِأَبْهَى المظاهرِ وأحسنَ الزينةِ ولبِسُوا السِّلاحَ راكِبْيِنَ مَرَاكِبَهُمْ وَلكِنَّهُمْ ما إنْ رَأَوُا الإمامَ عليه السلام حتَّى أثَّرَ مَظْهَرُهُ الشريفُ في نفوسِهم تأثيراً بَالِغاً فَرَمَوُا بِأَسْلِحَتِهِمْ وزيِنَتِهِم. ثُمَّ وقفَ الإمامُ عليه السلام على بابِ دارِهِ قَائلاً بصوتٍ مرتفعٍ: "اللهُ أكبرُ على ما هَدَانَا، اللهُ أكبرُ على ما رَزَقَنا مِنْ بِهيِمْةِ الأنعامِ والحمدُ للهِ على ما ابْتَلاَنا". فردَّد الناسُ ما قَالَهُ الإمامُ عليه السلام بصوتٍ واحدٍ فَخَشَعَتْ أنْفُسُهم وهَاْجَتْ أحَاسِيسُهم حتَّى سالتِ الدُّموعُ وتعالَتِ الصَّرخاتُ وأجْهَشُوا بالبكاءِ تأثُّراً بقولِ الإمامِ عليه السلام وضجَّتْ مرو بالبكاءِ ضجةً واحدةً.

كانَ الإمامُ عليه السلام يمشي كلَّ عشرِ خطواتٍ ويقفُ وقفةً ويكبِّرُ اللهُ أكبرُ أربعَ مراتٍ والنَّاسُ تُكبِّر معَهُ وكأنَّ السَّماءَ والأرضَ كَانَتْا تُردِّدُان مَعَهُ التَّكْبيرِ، وبَلَغَ بالنَّاسِ تأثُّرُهُمْ أنَّهُمْ نَسَوُا الحياةَ الدُّنْيَا ونَزَعُوا كلَّ مظاهرِ العظمةِ وساروُا معَ الإمامِ عليه السلام


20


بلهفةٍ وخشوعٍ نَحو المصلَّى.

بَلَغَ الخبرُ المأمون عَبْرَ وزيرِهِ الفضل بنِ سهلٍ قائلاً: إنَّ الرِّضا بَلَغَ المُصلَّى وقَدْ افْتَتَنَ النَّاسُ بِهِ، والرَّأيُ أَنْ تَسْأَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ خَوْفاً مِنْ تَعلُّقِ النَّاسِ بِهِ. فَبعَثَ المأمونُ للإمامِ عليه السلام طالباً مِنْهُ الرُّجُوعَ، عَادَ الإمامُ عليه السلام وقالَ للمأمون: "أَلَمْ أَطْلُبْ مِنْكَ أَنْ تُعْفِيَنِيْ مِنْ هَذَا الأمرِ مِنْ قبلُ؟".


21