ما أعظم بركة هذه النقود

رُويَ عن النبيِّ الأكرمِ صلى الله عليه وآله وسلم أنَّهُ أعطَى الإمامَ عليَ بنَ أبي طالبٍ عليه السلام اثني عشرَ دِرْهماً ليشتريَ لَهُ ثوباً يرتديه. ذَهَبَ الإمامُ عليه السلام إلى السُّوقِ واشْترى قميصاً باثنيَ عَشَرَ دِرْهماً وجَاءَ بِهِ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم فنظرَ الرسَّولُ إلى القميصِ وقالَ للإمام عليه السلام: "يا عليُّ غيرُ هذا أحبُّ إليَّ، أَتَرَى صاحِبَهُ يُقيْلُنا (يردُّهُ)؟".


36


فأجابَهُ الإمامُ عليٌّ عليه السلام: "لا أدري"، فأَمَرهُ رسولُ الله بالذَّهابِ ليَرُدَّهُ إذا أمْكَنَ. ذهبَ الإمام عليه السلام إلى البائع وقال لهُ: "إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم قدْ كَرِهَ هَذا ويُريدُ ثوْباً دُونَهُ، فأَقِلْنَا فِيْهِ"، عندَهَا ردَّ البائعُ لهُ الدَّراهمَ وذَهبَ بِها الإمامِ عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وعِنْدَما رجِعَ الإمامُ طلبَ منْهُ الرَّسولُ صلى الله عليه وآله وسلم أنْ يُرافقهُ إلى السُّوقِ ليبتاع قميصاً، فمشيا سَوِياً وإذْ بجاريةٍ على الطَّريقِ تبْكي فسأَلَها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما شأْنُكِ؟" فَأَخَبَرَتْهُ الجاريةُ أنَّ أهلَ بيتِها أَعْطُوها أربعةَ دراهمٍ لتشتريَ لهُم بِهَا حاجةً فأضاعتْ هذه الدَّراهمَ، وتخافُ أنْ ترجعَ إليْهم، فأعطاها رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم أربعةَ دراهمٍ قائلاً لَهَا: "إرْجعي إلى أهْلِكِ". ثُمَّ أَكْمَلَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم طريقهُ إلى السُّوقِ واشْترى قَمِيصاً بأربعة دارهم ولَبِسَهُ ثُمَّ حَمَدَ الله وخرجَ مِنَ الدُّكَّانِ، وإذْ بِهِ يلتقيِ برَجلٍ


37


عُرْيانٍ يقولُ: "من كسَاني كسَاه الله مِنْ ثيابِ الجنَّةِ"، عندها خلع الرَّسول صلى الله عليه وآله وسلم قميصه وأعطاه للسَّائلِ. عادَ الرَّسولُ صلى الله عليه وآله وسلم ومعَهُ الإمامُ عليُّ عليه السلام إلى السُّوقِ لِيَشْتريَا قميصاً آخرَ بالدَّراهمِ الأربعةِ الَّتي بقِيَتْ مَعَهُ، فاشْتَرى قميصاً ولَبِسَهُ ثُمَّ حمَدَ الله عزَّ وجلَّ. وفيْ أثْنَاءِ رُجِوعهِ إلى دارِهِ وإذْ بالجاريةِ واقفةً على الطريقِ فسَأَلَها الرَّسولُ صلى الله عليه وآله وسلم: "مَا لكِ لا تأْتِينَ أَهْلَكِ؟" فأجابته بأنَّها قدْ تأَخَّرَتْ على أهلِ بيْتِها وتخافُ أنْ يضربوها، فقالَ لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "دُلِّيني على أَهْلِكِ"، فدَلَّتْهُ الجاريةُ. وقف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على باب الدَّارِ قائلاً: "السَّلام عليكم يا أَهْلَ الدَّار" فلمْ يُجِبْهُ أحدٌ، أعادَ الرَّسولُ صلى الله عليه وآله وسلم عليهم السَّلامَ ولكِنْ لم يردَّ عليه أحد، عنْدَها كرَّرَ الرَّسولُ سلامَهُ فقالوا له: "عليكَ السَّلام يا رسولَ الله ورحمةُ الله وبَرَكَاتُه".

عِنْدَها سَأَلَهُم الرَّسولُ صلى الله عليه وآله وسلم عنْ سبب عَدَمِ رَدِّهم


38


على سلامِهِ في المرَّةِ الأُولَى والثَّانيةِ فقالوا لهُ: "يا رسولَ الله سَمِعْنا سلامَكَ فأَحَبْبنا أنْ نستكثر مِنْهُ".

فقالَ لهُمِ الرسولُ صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ هذهِ الجاريةَ أبطأتْ عليكم، فلا تُؤاخذُوها".

عِنْدَها أجابَه أهلُ الدَّارِ: "يا رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم هِيَ حُرةٌ لِمْمشاك" (أيْ لقدومِكَ).

فحَمَدَ الرَّسولُ صلى الله عليه وآله وسلم الله عزَّ وجلَّ وقالَ: "الحمدُ لله، مَا رَأيتُ اثني عشرَ دِرْهماً أعظمَ بركةً مِنْ هَذِهِ، كسَا الله بِهَا عرْيانيْنِ، وأَعْتَقَ نسَمَةً".


39