تحقيق لمجلة نجاة عن جمعية
النور
إقرأ.... ما أنا بقارئ
صفية حيدر*
توالت الأديان السماوية في بيان أهمية العلم والمعرفة، وحثّت الإنسان على طلبهما من
أجل تكامله ووصوله إلى الله سبحانه. يقول أمير المؤمنين(ع): "بالعلم يطاع الله
ويُعبد، وبالعلم يُعرف الله ويوحّد، وبالعلم توصل الأرحام، وبه يعرف الحلال
والحرام، والعلم إمام العقل والعقل تابعه، يلهمه الله السعداء، ويحرمه الأشقياء..."1.
ويؤكد نبي الرحمة (ص)على أهمية العلم وما يترتب عليه من أجر عند الله سبحانه،
فيقول: "من أحب أن ينظر إلى عتقاء الله من النار فلينظر إلى المتعلمين فوالذي نفسي
بيده ما من متعلم يختلف إلى باب العالم إلا كتب الله له بكل قدم عبادة سنة، وبنى
الله بكل قدم مدينة في الجنة ويمشي على الأرض وهي تستغفر له، ويمسي ويصبح مغفوراً
له، وشهدت الملائكة أنهم عتقاء الله من النار"2.
فالعلم كوكب يضيء دروب السالكين في غياهب جهل هذه الدنيا الفانية، وسفينة يعبر
بحرَها الإنسانُ بثباتٍ ويقين وسط العواصف العاتية.
وانطلاقاً لما للعلم من درجة سامية وانعكاس على رقي المجتمع وتطوره، كان من المهم
إنشاء جمعيات تعنى بمحو الأمية، (كجمعية نور) التي رفعت شعاراً متميزاً حمل
عبارة"آخر أمي في لبنان".
البداية والإنجازات:
تعدّ جمعية نور من الجمعيات الفاعلة التي تسعى إلى الحث على طلب العلم ونشر المعرفة
ومحاربة الجهل. تأسست عام 2001م، وكان هدفها الأساس وهمها الوحيد محو الأمية في
جميع المناطق اللبنانية. وللتعرّف إلى الجمعية وأهدافها، كان لنا لقاء مع مديرها
العام فضيلة الشيخ حسين بلوط، أكّد فيه أنّ الجهل هو العدو الأكبر للإنسان، وأنّ
محو الأمية هو الأداة المثلى لتحفيز وتعزيز قدرات الإنسان، وتنمية علاقته بمجتمعه.
وأشار إلى أنّ الجمعية بدأت نشاطها كحلقات دراسية في الحسينيات والمساجد، وذلك في
بيروت وجبل لبنان فقط، وعلى مدى تسع سنوات من العمل المتواصل، توسّعت لتشمل جميع
المحافظات اللبنانية. وأصبحت جمعية خيرية تربوية تخصّصية منظمة، تُعنى بإقامة دورات
تدريبية لمراحل تعليمية ثلاث، في دوامين: صباحي ومسائي، وفي نهاية الدورة يحصل
المنتسب على شهادة مصدّقة من وزارة الشؤون الاجتماعية. وفي سياق الحديث تطرّق الشيخ
بلوط للحديث عن تطور منهجية الكتب الخاصة بالجمعية، بعد الاستعانة بكتب وزارة
الشؤون الاجتماعية (اللجنة الوطنية لمحو الأمية والتعليم)، والتي تضم موادّ تربويةً
وثقافيةً واجتماعيةً، بالإضافة إلى اللغة العربية والحساب. أما عن أهداف الجمعية
فذكر فضيلة الشيخ أن أهمها هو المساهمة الفعالة في الحد من الأمية والرفع من آثارها
السلبية في كافة الأراضي اللبنانية، ونشر التعليم بهدف توسعة المهارات المعرفية
وتنمية شخصية المنتسب وقدراته. ومن أهداف الجمعية إعداد مدرّسين متخصّصين للقيام
بتعليم الكبار الأميين، وذلك بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعيّة. وشدّد فضيلته
على أنّ الدورة التعليمية مجانية، حتى بالنسبة للكتب والرحلات الترفيهية، ولا يطلب
من المنتسبين سوى رغبتهم في التعلّم والتزامهم بنظام الدورة وبرنامجها. وعن
الأساتذة في الجمعية، يقول: جميع الأساتذة حائزون على إجازات جامعية أو حوزوية،
ويخضعون في الجمعية لدورة إعداد مدرّس.
تجربتي مع محو الأمية:
السيدة رباب حدرج، إحدى المدرسات في الجمعية، تتحدّث عن تجربتها مع المنتسبين،
فتقول: يجب أن يكون الأستاذ مختصاً وبارعاً، لأنّ هناك فروقات ذهنية كبيرة بين
الطلاب، ومفاهيم مغلوطة عند بعضهم، وكلّ حالة تستلزم عناية خاصة، فالكبير في السنّ
يعاني صعوبة في تلقّي المعلومات لأسباب عديدة. وتضيف السيدة حدرج: الحالات ليست
متشابهة، إذ إنّ أهل القرى مثلاً يتطلبون أسلوباً من التعامل يختلف عن أهل المدينة
من حيث انتقاء العبارات المناسبة مثلاً. ويواجه المدرس أحياناً انتقاداً من بعض
الطلاب، فيقول أحدهم: "شو جاي تعلّمني بعد هالكبرة" أو"مفكّر حالك بتفهم أكتر
مني؟". هنا يتطلب الأمر رحابة صدر ورجاحة عقل لامتصاص كل تلك الأمور بطريقة لبقة
ومناسبة.
وعن هدف معظم المنتسبين إلى جمعية نور لمحو الأمية، تقول السيدة حدرج: أكثرهم
ينتسبون لكي يستطيعوا تعلّم قراءة القرآن الكريم والدعاء، لكن توجد عند بعض الطلاب
أهداف أخرى، منها: حبّ القراءة والمطالعة، إمكانية تعليم الأولاد... وغيرها. أما عن
سلوكهم عند بدء الدورة، فتشير السيدة حدرج إلى أنّ الخجل يسيطر على بعض الأشخاص،
وذلك خوفاً من أن يعرف أحد الأقارب بانتسابهم، أو"يعيّرهم" الجيران والأصدقاء...
لكن مع مرور الأيام يختلف الوضع، فيخلعون رداء الخجل، ويرتدون مكانه بذلة الافتخار،
لأنهم يطلبون العلم رغم صعوبة الظروف الحياتية والاجتماعية، بل ويقوم بعضهم بإخبار
معارفهم وتشجيعهم على الانتساب مثلهم. وتشير السيدة حدرج أثناء حديثها إلى طبيعة
الأجواء الإيجابية الموجودة في الجمعية، وأنّ علاقة الطلاب بأساتذتهم لا تنحصر داخل
الصفّ فقط، فهناك عدد كبير من الطالبات ما زلن يتواصلن مع المدرِّسات في شتى
المناسبات الاجتماعية والعائلية، ففي عيد الأم تقيم الجمعية احتفالاً خاصاً
بالمناسبة احتفاءً بالمنتسبات فيتبادلن الهدايا والتذكارات... وتنهي حدرج حديثها
قائلةً: "هكذا هي الأمور في الجمعية: روابط اجتماعية وثيقة بين الطلاب والأساتذة لا
تتوقف على العمليات الحسابية أو على تلقين اللغة العربية وحسب، بل تتعداها إلى ما
هو أسمى من ذلك وهو تكامل المجتمع".
لا مكان للأمية في عصرنا:
وللتأكيد على أهمية دور هذه الجمعيات، كان لنا لقاء مع النائب الدكتور علي فياض
المختص في علم الاجتماع، لفهم تأثير تحصيل العلم في الإنسان اجتماعياً ونفسياً،
وكيفية معالجة ظاهرة محو الأمية المنتشرة، أكّد فيه على أن العلم يُعدّ من ضرورات
العصر الحديث، ووجهاً مهماً في حضارتنا اليوم، فهو ينعكس في حياة الإنسان
الاجتماعية بطرقٍ شتى، منها التأثير على شبكة العلاقات العامة، كما له تداعيات
نفسية على الشخص نفسه، فالمتعلم يكون أكثر ثقة بنفسه ويتمتع بإطلالة ثقافية مختلفة
عن الأمي. وتابع د. فياض قائلاً: إنّ الأمية باتت مستهجنة في عالمنا اليوم، حتى أن
أغلب الأميين نراهم من شريحة كبار السن. وعن موانع التعلّم والأسباب الحقيقية
للأمية يقول د. فياض: إنّ هناك العديد من الأسباب، وإنها لا تقف عند العقبة المادية
فقط، لأن التعلّم في لبنان إلزامي ومجاني حتى سن الخامس عشرة، بالإضافة إلى أنه قد
تم هذا العام إقرار قانون يتضمن توزيع الكتب والقرطاسية للطلاب مجاناً، ممّا يساعد
في إزالة الموانع المادية.
ومن موقعه كنائب للشعب اللبناني اعتبر فياض أن إلزامية تطبيق التعليم يجب أن تكون
ملازمة لحملة ٍ إعلامية تثقيفية واسعةٍ في المجتمع، لأنّ التعاطي مع ظاهرة انتشار
الأطفال في الشوارع للتسوّل، واستغلالهم لأسباب تجاريةٍ واقتصادية سيكون مشكلة صعبة
جداً، خاصةً مع عدم وجود مؤسسات رسمية خاصة للمتابعة بجدية. وأكّد النائب د. فياض
على أهمية وجود جمعيات خاصة تساهم في محو الأمية، لتحسين نوعية التعليم وإعطاء
المنتسب الكفايات اللازمة للانخراط في المجتمع مما يدفعه نحو مستقبلٍ أفضل، وأعطى
مثالاً ملموساً من واقع حياته الاجتماعية، فإحدى السيدات في قريته انتسبت إلى"جمعية
نور لمحو الأمية"، وهي على مشارف السبعين وقد تفاجأ عندما أصبحت قادرة على تلاوة
القرآن الكريم وقراءة الدعاء بطلاقة، والأكثر من ذلك أنها ثابرت على طلب العلم حتى
أصبحت قادرة على قراءة الجرائد والترجمة المكتوبة على شاشة التلفاز أثناء عرض
البرامج. وتمنى د. علي فياض أن تسعى الجمعيات الخاصة بمحو الأمية في المجتمع
لتصويبه نحو الأصلح، فالإرادة تنفي العجز والأمية، وتؤدي إلى توازن الحياة.
نوافذ:
-"في سيرة رسول الله (ص) في أول معركة حصلت مع عبدة الأوثان والأصنام من مشركي
قريش، وهي معركة بدر والتي انتهت بانتصار المؤمنين والمجاهدين، ووقع عدد من الأسرى،
ماذا طلب رسول الله (ص)؟ هل طلب المال؟ لم يكن المال أولوية بالرغم من أن هؤلاء
كانوا فقراء، وكانت ممتلكاتهم مصادَرة في مكة، ولكن قال كل أسير من هؤلاء إذا كان
يعرف القراءة والكتابة فليعلِّم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة ويُطلق سراحه.
بدأ موضوع محو الأميّة من ذلك الوقت". (السيد حسن نصر الله)
- جمعية نور:
جمعية خيرية تُعنى بتعليم القراءة والكتابة وتعمل على المساهمة في رفع
الأمية في مختلف المناطق البنانية
- من أهداف الجمعية:
1- تدريب مدرسين بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية
2- التعليم بهدف توسعة المهارات المعرفية
3- التعليم بهدف تنمية شخصية الفرد ومهارته
- مراحل التعليم في الجمعية:
1- المستوى الأول: يتعرف فيه المتعلم إلى ألف باء العربية وكيفية استخدامها
2- المستوى الثاني: يتدرّج فيه إلى قراءة بعض النصوص
3- المستوى الثالث: يتعمق في قواعد اللغة العربية والحساب بالإضافة إلى مناقشة
موضوعات اجتماعية وتربوية..
* كاتبة صحفية.
1- المجلسي، محمد باقر: بحار الأنوار. ط4، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1404هـ.ق، ج1،
ص1661
2- (م.ن)، ج1، ص1842 |