من كلام لأمير المؤمنين عليه السلام العلم وراثة كريمة، واﻵدب حلل مجددة، والفكر مرآة صافية، وعنه عليه السلام العلم يرشدك الى ما أمرك الله به، والزهد يسهل لك الطريق إليه. وعنه عليه السلام العلم زين الاغنياء وغنى الفقراء. العلم خير من المال. وعنه عليه السلام كمال العلم الحلم وكمال الحلم كثرة الحلم والكظم. وعنه عليه السلام جهل المرء بعيوبه من أكبر ذنوبه.

مقالات

 الاستراتيجيات المتنوعة لتعليم الكبار

تختلف فلسفة تعليم الكبار من مجتمع لآخر باختلاف العوامل والقوى الثقافية فيه من حيث الظروف الاقتصادية والأحوال الاجتماعية والأنماط السياسية السائدة فيه، وتنبثق استراتيجية المجتمعات في تعليم الكبار من الاستراتيجية الخاصة بكل مجتمع باختلاف فلسفته وأيديولوجيته وبما يميزه عن المجتمعات الأخرى.

تبنت البلاد العربية الإستراتيجية العربية لمحو الأمية وتعليم الكبار التي أقرها مؤتمر الإسكندرية الثالث المنعقد ببغداد في ديسمبر عام 1976م. وهذه الاستراتيجية المتبناة هي نمط من استراتيجيات المواجهة المكثفة في المدى القصير، مع الأخذ في الحسبان أن كل قطر عربي يتعين عليه أن يصوغ استراتيجية لمحو الأمية وتعليم الكبار به وفقا لظروفه المحلية وفي إطار الاستراتيجية العامة. وهذه الاستراتيجية العامة التي أقرها المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثـقافة المنعقد بنيروبي في أكتوبر عام 1976م في دورته التاسعة والتي عرفت تعليم الكبار على أنه المجموع الكلي للعمليات التعليمية المنظمة أيا كان مضمونها ومستواها وأسلوبها، مدرسية كانت أو غير مدرسية، وسواء أكانت امتدادا أو بديلا للتعليم الأول المقدم في المدارس والكليات والجامعات أو في فترة التلمذة الصناعية والذي يتوصل به الأشخاص الذين يعدون من الكبار في نظر المجتمع الذي ينتمون إليه إلى تنمية قدراتهم وإثراء معارفهم وتحسين مؤهلاتهم الفنية أو المهنية أو توجيهها وجهة جديدة وتغيير مواقفهم أو مسلكهم، مستهدفين التنمية الكاملة لشخصيتهم والمشاركة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المتوازنة والمستقلة.

ويرتبط بتنوع استراتيجيات تعليم الكبار اختلاف مفهومه من بلد لآخر، ففي المجتمعات التي ترتفع بها نسبة الأمية يستخدم المصطلح كمرادف لمحو الأمية، على حين أن المجتمعات التي انتهت بالفعل من مشكلة الأمية، فتعليم الكبار فيها يعني إتاحة الفرصة للحصول على المزيد من التعليم، وعلى الرغم من هذه الاختلافات فإن نقطة البداية الحقيقية لتحديد هذا المفهوم يمكن أن تبدأ بأن نعرف من هو الكبير، ومن هنا نجد البعض يتخذ السن تحديدا لمفهوم الكبار، والبعض الآخر يرى أن مفهوم النضج النفسي يمكن أن يصلح لتحديد من هو الكبير، بينما تؤكد فئة ثالثة على الدور الاجتماعي الذي يلعبه الفرد في المجتمع كأساس لتحديد مفهوم الكبير.

هذه الاستراتيجيات المتنوعة لتعليم الكبار جعلت منه ميدانا واسعا وعريضا يتعامل مع فئات عديدة من البشر في مجالات متنوعة ومختلفة ومتجددة دائما، لذلك تبتكر مصطلحات جديدة لتعليم الكبار لتتناسب مع الاستراتيجيات الخاصة به في كل من المجتمعات، ومن هذه المصطلحات: التربية الأساسيةBasic education ، وتربية المجتمعCommunity education ، والتربية الاجتماعيةSocial education ، والتربية المستديمةPermanent education ، والتربية مدى الحياة Life long education، وتربية الجماهير Mass education، والتربية خارج المدرسة Out of school education، وغير ذلك من المصطلحات التي تدور في فلك تعليم الكبار، وكلها تسهم في توضيح معالمه وتجلية مفهومه.

تنوعت أنشطة تعليم الكبار واختلفت باختلاف الاستراتيجيات من بلد لآخر، إذ يقدم كل بلد برنامجا مختلفا لتربية الكبار تبعا لحاجاته الخاصة، ففي البلدان المتقدمة ثقافيا وتكنولوجيا كبلدان أوروبا الشمالية والولايات المتحدة وكندا يرتبط مفهوم تربية الكبار بصفة رئيسية بقضية التوعية الفكرية والسياسية، وكذلك بأنشطة الأفراد الخاصة بتطوير الثقافة الوطنية في كل منها، وتعني تربية الكبار بالنسبة لهذه المجتمعات الاكتساب المستمر للمزيد من الخبرات الحضارية بقصد تحسين أسلوب الحياة الإنسانية وزيادة وعي الأفراد لما يجري حولهم من أمور وتغيرات. وعلى هذا فإن التعليم والتدريب المهني لا يدخلان بشكل كبير في إطار برامج تربية الكبار في تلك البلدان، بينما نرى على النقيض من ذلك بلدانا أخرى كدول أوروبا الشرقية تقدم لأفرادها الكبار مجموعة كبيرة متنوعة من برامج التدريب المهني والفني، وبين هذين النمطين نجد أن تربية الكبار في البلدان النامية التي ما تزال تواجه مشكلات التنمية الاجتماعية والاقتصادية أكثر التصاقا واهتماما ببرامج محو الأمية والتربية الأساسية والتعلم الوظيفي.

وتختلف طرق التدريس المستخدمة في تنفيذ برامج تعليم الكبار ما بين المحاضرات والمناقشات والحلقات الدراسية والدراسات المستقلة والدراسة بالمراسلة والدراسة عن بعد عبر الراديو أو عبر الشاشات التليفزيونية أو من خلال برامج الكومبيوتر وشبكة المعلومات- الإنترنت- أو بطريقة المشروع بما يتفق ونوعية الاستراتيجية المرسومة لكل بلد.

وباختلاف استراتيجيات تعليم الكبار اختلفت أهدافه وتنوعت توجهاته، ويدل على ذلك تلك الدراسة التي أجرتها ماري إلي M.Elyعام 1936م ونشرتها في كتابها Adult Education Action حيث وجهت سؤالا عن الحاجة لتعليم الكبار إلى ثمانية عشر فيلسوفا ومربيا وعالما اجتماعيا من مختلف البلدان، وكانت النتيجة أن تعددت أهداف تعليم الكبار الثمانية عشر ودارت حول أربعة محاور أساسية هي :
1- المحور الأول: يدور حول ذاتية المتعلم الكبير وقدرته على التعلم أو نشاطه العقلي أو الابتكار والاختيار الحر وتحقيق الأمن الشخصي، وقد دارت حول هذا المحور ستة من الأهداف الثمانية عشر.
2- المحور الثاني: يدور حول تعليم الكبار وخدمة المجتمع وتركز على تحسين النظام الاجتماعي أو مواجهة التغير الاجتماعي أو تأكيد الثبات الاجتماعي، ودار حول هذا المحور أربعة أهداف.
3- المحور الثالث: دار حول خدمة المعرفة والاهتمام باكتشاف مجالات معرفية جديدة أو توسيع الآفاق والرؤى الفكرية أو مجاراة المعرفة الجديدة، ودار حول هذا المحور ستة أهداف.
4- المحور الرابع والأخير: يدور حول تعليم الكبار وخدمة المؤسسات الإنتاجية وتضمن هدفين اثنين.

وتنوعت أيضا وظائف تعليم الكبار من مجتمعات إلى أخرى، ففي البلدان المتقدمة يقوم تعليم الكبار بثلاث وظائف أساسية وهي:
1- الوظيفة الأولى: توفير الفرص التعليمية للعدد القليل من الصغار الذين لم يستكملوا المرحلة الأولى أو الثانية من تعليمهم لإعدادهم لدخول امتحان نهاية المرحلة الأساسية، كما هو الحال في كل من إسبانيا وفرنسا وبلجيكا وألمانيا وبلغاريا والمجر والدنمارك وإنجلترا، ولكن هذا التعليم يأخذ صورا وأشكالا مختلفة من دولة لأخرى.
2- الوظيفة الثانية: تدريب أو إعادة التدريب للعمالة المختلفة، كما هو الحال في هولندا وإنجلترا وإسبانيا والبرتغال وفنلندا وألمانيا ورومانيا، وفي كل دولة من هذه الدول تؤدى هذه الوظائف بواسطة مؤسسات مختلفة عن الأخرى.
3- الوظيفة الثالثة: عمليات الاستنارة الفكرية لأفراد المجتمع وتقديم صور التربية الحرة للكبار، كما هو الحال في الدول الإسكندنافية وخاصة الدنمارك وفنلندا والنرويج.

بينما أصبح تعليم الكبار في البلاد النامية مرادفا للتعليم غير النظامي للأطفال والكبار في دول كثيرة، كما هو الحال في غينيا والأرجنتين والمكسيك وفيتنام وتايلاند والهند، ويعتبر محو الأمية أو خفض نسبتها إحدى المهام الأساسية لتعليم الكبار في البلاد النامية