تجربة سوريا في محو الأمية
تشكل الأمية التحدي الأكبر للدول والشعوب لأنها تعرقل عملية التنمية البشرية التي تمثل مفتاحاً للتنمية الشاملة برمتها لذلك تجهد جميع الدول والمنظمات الدولية والأهلية للتخلص من الأمية عبر برامج واستراتيجيات لنشر وتأمين التعليم للجميع.. ويحتفل العالم بمناسبة اليوم العالمي لمحو الأمية تقديراً للجهود المبذولة في هذا المجال ولتسليط الضوء على مخاطر الأمية.
وخطت سورية خطوات واسعة في مجال محو الأمية منذ أواخر الستينيات عندما كانت نسبة الأمية تزيد عن 50 بالمئة حيث تم إعداد الخطط والبرامج والمناهج في سبيل ذلك، وأصدرت عام 1972 قانون محو الأمية وتم تحقيق نجاحات كبيرة في هذا المجال وانخفضت الأمية بشكل كبير وملحوظ حيث تشير الإحصائيات في السنوات القليلة الماضية إلى انخفاض نسبة الأمية في سورية من 19بالمئة عام 2004 إلى14.2 بالمئة عام 2007 وترجم هذا الانخفاض فعلياً على أرض الواقع مع إعلان محافظات القنيطرة والسويداء وطرطوس في عام 2008محافظات خالية من الأمية.
وتعد مديرية تعليم الكبار والتنمية الثقافية في وزارة الثقافة الجهة الأساسية المعنية بمحاربة الأمية، إلى جانب عدد من الجهات الرسمية في وزارات التربية والشؤون الاجتماعية والعمل والزراعة وهيئة تخطيط الدولة بالإضافة إلى عدد من المنظمات الشعبية كالاتحاد النسائي واتحاد شبيبة الثورة وغيرها.
وذكر عبد الفتاح العبيد مدير تعليم الكبار والتنمية الثقافية في وزارة الثقافة لوكالة سانا أن المديرية تعمل ضمن استراتيجية التخلص من الأمية الأبجدية وتعمل بخطة المنطقة الهدف حيث يتم التركيز فيها على منطقة محددة قرية.. ناحية.. مدينة.. محافظة وبذلك يتم التعرف على مكان تواجد الأميين وفئتهم العمرية وما إذا كانوا من ذوي الاحتياجات الخاصة..ويفتتح بها الدورات على أساس الفئة العمرية15- 45سنة، وهي الفئة المستهدفة عالمياً مبيناً أنه لا يتم الخروج من هذه المناطق حتى يتم القضاء على الأمية بشكل كامل والعمل على تمكين سكانها من خلال تأهيلهم مهنياً.
وأوضح العبيد أن المديرية تعمل على مسارين أحدهما باتجاه المحافظات المتقدمة علمياً والآخر باتجاه المحافظات الأقل تعليماً كالمحافظات الشرقية حيث تم تحرير محافظات القنيطرة والسويداء وطرطوس من الأمية, إضافة إلى أكثر من 500 قرية خاصة في المنطقتين الشرقية والشمالية الشرقية.
وقال العبيد إن المديرية تضع استراتيجية للتخلص من الأمية خلال السنوات القليلة القادمة وتركز خطة العام الحالي على تحرير محافظتي حماة ودرعا اللتين انتهى العمل بهما وأصبحتا جاهزتين لإعلانهما خاليتين من الأمية إضافة إلى تحرير مئات القرى في المناطق السابق ذكرها, مشيراً إلى أنه يجري العمل حالياً لتحرير تدمر من خلال عملية تشاركية مع الاتحاد النسائي واتحاد شبيبة الثورة ومن المتوقع إعلانها خالية من الأمية عام 2010 إلى جانب محافظتي إدلب واللاذقية وبعض المناطق الأخرى في ريف حلب والحسكة.
وتوقع العبيد أن يتم التخلص من الأمية في سورية بحلول عام 2016 إذا ما استمرت وتيرة العمل بهذا الشكل وتوافرت له الامكانات والدعم اللازم من كافة الجهات المعنية مبيناً أن المؤشرات الإحصائية تعكس التقدم الحاصل حيث انخفضت نسبة الأمية 5بالمئة عن معدلاتها عام 2004 والبالغة 19بالمئة وبوتيرة أسرع من المقدر له في الخطة الخمسية العاشرة مشيراً إلى رفع موازنة صندوق محو الأمية خلال السنتين الأخيرتين من35 مليوناً إلى 105 ملايين ليرة سورية مع الحاجة إلى زيادة هذا المخصصات لمتابعة العمل بالشكل المطلوب.
ولفت العبيد إلى إطلاق برنامج محو أمية لذوي الاحتياجات الخاصة منذ عام 2007 مشيراً إلى أن هذه التجربة حققت نجاحاً من خلال الدورات للمصابين بالشلل الدماغي في دمشق والصم والبكم والمكفوفين في البوكمال والميادين لافتا إلى أنه يتم إرسال المعلم إلى منزل ذوي الاحتياجات الخاصة في كثير من الحالات بهدف مساعدتهم على التحرر من أميتهم.
وأشار العبيد إلى أن القطاع التربوي في سورية حقق خطوات ايجابية في تطبيق ديمقراطية التعليم والتعليم الإلزامي ولاسيما بعد صدور قانون التعليم الأساسي رقم32 لعام 2002م والذي تم بموجبه مد الإلزام بالتعليم إلى السنوات الخمس عشرة الأولى.
وبلغ معدل الأمية في سورية 14.2 بالمئة من عدد السكان من عمر15سنة فأكثر وفقاً لإحصاءات المكتب المركزي للإحصاء لعام 2007 وتظهر الإحصاءات أن نسبة الأمية مرتفعة لدى الإناث أكثر من الذكور كما يشهد الريف انتشاراً للأمية أكثر من الحضر.
وسجلت أعلى نسبة انتشار للأمية في المحافظات الشرقية بسبب الظروف الاجتماعية واهتمام السكان بالزراعة حيث بلغت في الرقة29.1 بالمئة من سكان المحافظة وفي دير الزور 26.8بالمئة من سكانها ,وفي الحسكة 22.5 بالمئة من سكانها في حين سجلت أخفض نسبة انتشار للأمية في دمشق5.7 بالمئة.
وحول دور الاتحاد النسائي في برنامج محو أمية النساء وتمكينهن وخاصة أنهن يشكلن ثلثي عدد الأميين قالت فريال سيريس رئيسة مكتب البيئة والتنمية الاجتماعية في الاتحاد العام النسائي إن دورات محو الأمية تترافق مع توعية صحية واجتماعية وثقافية إضافة إلى دورات تأهيل مجانية لكي تتخرج المرأة وهي قادرة على استيعاب كل ما يجري حولها من أحداث وقادرة على العمل وتربية أطفالها وإدارة منزلها بشكل جيد والمساهمة في رفع المستوى المعيشي لعائلتها إضافة إلى إتقان الكتابة والقراءة كما تترافق الدورات مع حملات توعية موجهة للرجال وذلك لتشجيعهم على إرسال زوجاتهم وبناتهم وأخواتهم إلى تلك الدورات.
وردت سيريس أهم أسباب انتشار الأمية إلى قلة الوعي لدى البعض بمخاطر الأمية وعدم رغبة بعض الأميين بالتحرر من أميتهم إضافة إلى العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي قد تدفع البعض لعدم إرسال أطفالهم إلى المدارس بقصد العمل وكسب المال كما تشكل بعض الأعراف التقاليد الاجتماعية تحدياً يعيق محو الأمية في بعض المناطق كالزواج المبكر وعدم رغبة بعض العائلات في تعليم الإناث بسبب تعصب رجالها وتشددهم.
وهناك الكثير من النساء اللواتي تحررن من أميتهن عبر دورات محو الأمية وتابعن تحصيلهن العلمي حتى حصلن على الشهادة الجامعية ونذكر منهن فخرية الطويل مواليد 1955 التي حصلت على إجازة في الآداب قسم التاريخ ثم حازت دبلوم التأهيل التربوي وكذلك ربا أحمد حوران التي تابعت دراستها وحصلت على الشهادة الثانوية بفرعها الأدبي وبمجموع أهلها لدخول قسم التاريخ في كلية الآداب بجامعة دمشق.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة أعلنت الفترة من 2003إلى 2012 عقداً للأمم المتحدة لمحو الأمية من أجل تحقيق هدف توفير التعليم للجميع ضمن إطار عمل داكار الذي اعتمده المنتدى العالمي للتعليم عام2000 في السنغال والذي تم الالتزام بموجبه بالعمل على رفع معدلات محو الأمية لدى الكبار بنسبة 50 بالمئة بحلول عام 2015 وتحسين نوعية التعليم وتقوم منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونيسكو بدور تنسيقي في الحث والتحفيز على الأنشطة المضطلع بها على الصعيد الدولي في إطار هذا العقد.
ورأى كويشيرو ماتسورا المدير العام لمنظمة اليونيسكو في رسالته المنشورة على موقع المنظمة بمناسبة اليوم الدولي لمحو الأمية في 8 أيلول أن محو الأمية يمثل الهدف الذي يعاني من أقصى درجات الإهمال في جدول أعمال التعليم للجميع رغم وجود اعتراف عالمي بدور عملية محو الأمية في تمكين الأفراد للمشاركة في عملية التنمية مبيناً أن العالم لا يزال يضم 776 مليون أمي من الكبار و75 مليون طفل غير ملتحق بالمدرسة، وهم محرومون من حقوقهم ومن تلبية احتياجاتهم.
ولفت ماتسورا إلى أن شريحة الأميين تتضمن أكثر الفئات حرماناً وتهميشاً، وترتفع فيها نسبة النساء، والفتيات، والسكان الأصليين، والأقليات اللغوية والثقافية، والرحل، وسكان الريف والمعوقين وأن ثمة صلة وثيقة بين الفقر ومحو الأمية مبينا أن التمكين هو السبيل إلى الحل.
ويرى ماتسورا أن محو الأمية يفتح أمام النساء والرجال الذين حرموا من إمكانية تعلم المهارات الأساسية للقراءة والكتابة آفاقا جديدة مليئة بالفرص ويحسن مستوى معيشتهم من خلال تعزيز قدرتهم ومهارتهم التي تمكنهم من رفع مستوى دخلهم والتمتع بسبل عيش مستدامة والحصول كذلك على الخدمات الصحية والتعليمية والمشاركة في الحياة العامة والمساهمة في عمليات التغير الاجتماعي والقضاء على الفقر.
ودعا ماتسورا الحكومات والمنظمات الدولية الحكومية وشركاء عملية التنمية وأرباب العمل ونقابات العمال ومنظمات المجتمع المدني في كل مكان إلى أن يعززوا التزامهم في مجال محو الأمية.
أعد التقرير : غسان خيو - رانيا عثمان سانا
|